*ماذا أعطتنا هذه الانتخابات وماذا أخذت منا؟/سيدي علي بلعمش *

 

 

 

 

*تنبيه هام* : كل ما سيأتي في هذا المقال ، تحليل و ليس معلومات و إن كنت أعتبره أدق من المعلومات و أعمق من أي التحليل 

………………

 

لا شك أن الجميع يتذكر (خلال التعديل الوزاري السابق) ، أن بعض الوزراء رفضوا إقالاتهم و رفضوا حتى استبدالهم بآخرين من أحزابهم ، مُلزِمين الرئيس باحترام العهد المُبرم بين الرئيس و الأغلبية الذي بموجبه يلتزم النظام بتعيين وزير من كل حزب من الأغلبية يحصل على عدد معين من النواب.

كان هذا الاتفاق بَيِّـن العيوب (تخليد البعض في الحكومة حتى مع غياب الكفاءة) ، وراء بقاء بعض الوزراء أكثر من عقد من الزمن . 

و لأن الدولة استمرارية ، وجد ولد الغزواني نفسه مرغما على احترام هذا الاتفاق السابق لعهده ، بما فيه من عيوب.

 

كان الحل الأخلاقي المتاح لفسخ هذا العقد ، هو التخلص من الأغلبية الحزبية و استبدالها بأغلبية داعمة للرئيس . 

 

كانت العملية تحتاج إخراجا ذكيا و هادئا يخرج النظام من هذا المأزق من دون خسارة أغلبيته ، فأفسدته أطماع من تولوا عملية تخطيطه و تنفيذه .. أفسدوا كل شيء ، مُستغلين الحالة لإبعاد كل وفي للرئيس و استبداله بأحد بيادق هيمنتهم التي تحولت في أجندتهم بحلول هذه الفرصة من الأمد البعيد إلى القريب.

 

حين فهم الرئيس غزواني اللعبة (التي يبدو أنه كان يتوقعها) و ظن القائمون عليها أنهم وضعوه في فخ لا مخرج له منه ، ضرب الجميع في آخر لحظة ، بضربة قاضية أفهمتهم أنهم أصغر بكثير من التلاعب بعقله و تمرير مخططاتهم الشيطانية في غفلة منه ..

 

و بهدوء و من دون أن يشعر أحد بغضبه (المكتوم) ، ألقَى بالفريق المتقاعد ولد مكت في ساحة المواجهة التي ملؤوها الغاما و حقدا و إساءات إلى الأعداء و الأصدقاء بالتساوي ..

 

كانت دعاية الأخير (مگت) واضحة و مبسطة "أنا مرشح حزب الإنصاف و من لا يعطي صوته لجميع لوائحه ، لا حاجة لي بصوته" ؛ فكان ما كان من تحول أذهل الجميع ما زال البعض يرفض تصديقه بعد ما شهده الحزب من تمزق حير الكل.

 

- لم يدخل ولد مگت أي صراع مع صديق لدود و لا عدو حقود ..

- لم يتعهد لأي جهة بغير تنفيذ برنامج رئيس الدولة و السعي إلى أي إصلاح متاح ..

- لم يتوعد أي جهة و لم يعتبر أي معارض غير خصم سياسي و شريك في الوطنية ، محق في ما يدعيه ..

 

كان سلوك ولد مگت و رزانته و "إنصافه" للجميع ، تجسيدا غير مفتعل لسلوك و طبع الرئيس غزواني ..

 

و حتى بعدما دخل ولد مگت الساحة بقوة و أعاد التوازنات إلى طبيعتها ، بدأت المافيا في إفساد كل شيء لإشاعة الغش و التزوير و خلق مناخ مشحون ، لكن صمت الاثنين و هدوء ردود أفعالهما هو السر الأوحد وراء هذه السكينة المُحتلة لساحة الغضب العارم اليوم.

و أمام ولد الغزواني الآن خياران:

- إما أن يتمسك بنتائج هذه الانتخابات و يراضي كل المُغاضبين و يعرف جيدا كيف يفعلها ..

و إما أن يقيل و يعاقب كل المسؤولين عن إفسادها و يلغيها إلى ما بعد الرئاسية ، و يعتذر للشعب الموريتاني عن ما أفسده الآخرون باسمه و باسم نظامه ، ليتحول إلى بطل قومي فوق الشبهات و حامي مؤتمن للدستور و القانون و الديمقراطية . و الخيار الأخير هو الأفضل لا شك ، لكنه مكلف للجميع و مضيعة لوقت نحتاجه لعمل الكثير أمامنا ..

 

إذا كان هذا التحليل صائبا ، توقعوا انطلاق عملية إصلاح واسع (بحجم ثورة )، فور انتهاء ترتيب ما وضعته فيه هذه الزمرة الانتهازية من إحراج ، كان في غنى عنه : 

- لم يكن الرئيس غزواني بحاجة إلى غير انتخابات نزيهة و شفافة لفوز مشرف بأغلبية أكثر من مريحة..

- ليس وفيا و لا حتى دون العدو في شيء ، من يضع الرئيس غزواني في هذا الجو المشحون و هو على عتبة انتخابات رئاسية ، ما كان يحتاج غير إبعاد الأشرار لكسب رهانها في مناخ تصالحي هادئ هو أول من أرسى دعائمه في هذا البلد بعد أجندة العشرية الشيطانية التي وضعت البلد على كف عفريت.

 

إذا كان العامل الأخلاقي قد فرض على ولد الغزواني ، ما لا يقتنع به بالضرورة ، طيلة الفترة الماضية و تحمل دفع فاتورته بما لم يكن بوسعنا فهمه ، فليس له أي عذر الآن في أن لا يصبح في حل منه.

 

الوضع على حدودنا المباشرة متفجر لأسباب لا تختلف في شيء عن أسبابنا ..

الوضع الدولي أخطر بكثر و لا نملك سوى التماسك الداخلي بقوة في وجهه حتى تعبر عاصفته ..

و وضعنا الداخلي يحتاج إلى التهدئة و الانسجام و احترام الخصوم و اتساع آفاق الأمل بالعدل و المساواة و التوجه إلى خلق ثورة تنموية بعيدا عن السياسة ، لا تعرف معارضا و لا مواليا و لا جهة و لا لونا و لا جنسا ..

ليس لموريتانيا من المشاكل ـ على كل المستويات ـ غير ما يخلق لها أهلها من صراعات ما كان لها أن تكون لولا سياسة تكريم الانتهازيين و هذا الاهتمام الزائد بما يسمونه سياسة الذي أصبح الشغل الشاغل لكل عجوز و شاب و فاهم و جاهل و رجل و امرأة : هذا المرض الفتاك الذي جعل الجميع يعيش على السياسة هو مشكلتنا الأولى اليوم و أول مسؤول عنه هو النظام و هو أول من يجب أن يحاربه بكل جدية و كل الوسائل.

كل البقية آلام عضوية بسيطة ، لا تحتاج أكثر من مهدئ متوفر بحجم فلسفة القيادة عند الرئيس غزواني.

20 May 2023