إيكواس.. المجموعة الاقتصادية الأفريقية في مهب "الانقلابات
يعد إعلان مالي والنيجر وبوركينا فاسو الانسحاب من عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقي "إيكواس"، بمثابة الاختبار الأكثر أهمية في تاريخ المجموعة الممتد 49 عاما، إذ من الممكن أن يؤدي إلى هزات ارتدادية جديدة في المنطقة.
قرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر بشأن الانسحاب من عضوية المجموعة، أثار قلقًا عميقًا لدى الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الأدنى.
وكان رد فعل البلدان المنسحبة معتدلاً للغاية، حيث زعمت بأن "إيكواس" ابتعدت عن فلسفتها التأسيسية والوحدة الإفريقية، وخدمت الهيمنة الغربية/الفرنسية.
وفي حين أثارت الانقسامات السياسية والعسكرية شروخًا عميقة بين دول المنطقة في الأعوام الأخيرة، فقد بدأ الصراع على الهيمنة بين روسيا وفرنسا بشأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يظهر للعلن.
في الواقع، فإن التاريخ السياسي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مليء بالنجاحات، وتعد إحدى المجموعات الإقليمية الفرعية الثمانية المعترف بها من قبل الاتحاد الإفريقي.
تأسست "إيكواس" في 28 مايو 1975 بمدينة لاغوس في نيجيريا، لتضمّ تحت مظلتها 15 دولة إفريقية وقعت "اتفاقية لاغوس".
الاستراتيجية التي اتبعتها "إيكواس" بعد الانقلاب العسكري في النيجر في 26 يوليو/تموز 2023، أضعفت السمعة التي اكتسبتها المجموعة في السنوات الماضية، ومن ناحية أخرى، فتحت باب النقاش والتساؤل حول تأثيرها ومستقبلها.
بعد الانقلاب في النيجر، أعلنت "إيكواس" إغلاق الحدود البرية والجوية مع النيجر، وفرض منطقة حظر الطيران على جميع الرحلات الجوية التجارية من وإلى النيجر، وضرورة الإفراج عن الزعيم المخلوع محمد بازوم خلال 7 أيام، والتهديد بشن عملية عسكرية في حال لم يتم الإفراج عنه.
كل تلك القرارات أدت إلى توحيد مالي وبوركينا فاسو والنيجر على أرضية مشتركة، لتشكيل تكتل باسم "تحالف دول الساحل".
إعلان إنشاء اتحاد عسكري جديد بين الدول الثلاث المذكورة، ومحاولة تطبيق العملة الوطنية الخاصة بها، وأخيرًا قرار مغادرة "إيكواس"، بدعم من روسيا، أدت بدورها إلى خلق انقسام الاستقطاب بين دول المجموعة، ليظهر منها من هو ضد الغرب إلى جانب تحالف دول الساحل المقرّبة من روسيا والصين.
ويمكن سرد 3 عوامل أساسية أدت إلى الاستقطاب المذكور وفشل "إيكواس":
الأول يتلخص في فراغ السلطة الناجم عن تراجع نفوذ الغرب/ فرنسا، الدولة الأكثر أهمية في دعم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة.
استثمرت باريس في "إيكواس" في إطار تقاسم الأعباء السياسية والمالية فيما يتعلق بمنطقة الساحل. وفي حين قدمت هذه الاستراتيجية لفرنسا تدخلاً منخفض التكلفة، فإنها قللت أيضًا من خطر تقاسم الأعباء والعزلة الدبلوماسية.
لكن، بعد عام 2015، أدّت عوامل مثل محاولات دول الاتحاد الأوروبي لتحديد سياسة إفريقية مستقلة، وموجات الهجرة غير النظامية والإرهاب (داعش)، و(دخول) روسيا (إلى المنطقة)، إلى تحويل تركيز فرنسا نحو القارة الأوروبية، لتبدأ الهيمنة التي سعت لفرضها على إيكواس بفقد تأثيرها عندما اقترن الواقع بالاعتبارات المالية.
العامل الثاني، هو أن فرنسا وإيكواس لم تستوعبا بعد الواقع الجيوسياسي المتغير في إفريقيا، فاليوم، تزايد عدد ونوعية الجهات الفاعلة غير الإقليمية، مثل روسيا والصين، التي تجد الدول الإفريقية الدعم منها. ومع وجود جهات فاعلة جديدة، أصبح تأثير إيكواس على الدول الأعضاء فيها محدودا.
ومع قرار تشكيل "فيلق إفريقيا" الروسي الذي أعلن عنه مطلع العام 2024 ليحل محلّ مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، وإرسال 200 جندي إلى بوركينا فاسو الأسبوع الماضي، ووجود فاغنر في العديد من الدول الإفريقية، تم توفير مظلة أمنية للحكومات التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلاب، ما يظهر بوضوح الصراع بين روسيا والغرب على الهيمنة والنفوذ في القارة الإفريقية.
في الواقع، أدّت خطوات العزلة الغربية ضد موسكو إلى ظهور روسيا "أكثر عدوانية" في إفريقيا. ومع مرور كل عام، تتقدم موسكو بسرعة نحو أن تصبح المورد الأكثر أهمية للأسلحة في القارة السمراء.
وبين عامي 2018 و2022، جاءت 40 بالمئة من واردات أنظمة الأسلحة الإفريقية من روسيا. وهذا أعلى من إجمالي واردات الأسلحة من فرنسا بنسبة 7.6 في المئة، والولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 16 في المئة، والصين بنسبة 9.8 في المئة.
والمستوردون الرئيسيون لأنظمة الأسلحة الروسية في القارة السمراء فهم: الجزائر، ومصر، ومالي، والسودان، والنيجر، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وأنغولا.
أما العامل الثالث للانقسام داخل إيكواس فهو اجتماعي، ففي إفريقيا أصبحت رغبة الناس في المشاركة في الحكومة أكثر وضوحًا، بعد أن كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم تعمل فقط من خلال النخب السياسية/العسكرية، وهذا هو السبب المعقول الذي دفع الجنود الانقلابيين إلى النزول إلى الشوارع بعد الانقلاب، والتواصل مع الجمهور وتشكيل خطابهم بهذه الطريقة.
لقد نجح قادة الانقلاب، الذين أسسوا شرعيتهم على الشعب وطوّروا خطابًا جديدًا يعتمد على المشاعر المعادية للغرب، في تعبئة المجتمع في إطار الوعي العرقي والوطني والتجربة التاريخية.
في الختام، فشلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في التكيف مع روح العصر. وفي منطقة جغرافية حيث تختلف الجهات الفاعلة والعوامل، فقد ضعفت قدرة نيجيريا على توجيه البلدان الأعضاء الأخرى من خلال إيكواس.
في المقابل، تشير التطورات الأخيرة إلى قدرة بلدان غرب إفريقيا على بناء روح مختلفة من التعاون فيما بينها، تتغذى على ديناميكيّاتها الجديدة، فهي من ناحية أخرى مهّدت الطريق أمام الاستقطاب بين الشرق والغرب الذي اتّسمت به فترة الحرب الباردة.