صراع الإخوة الأعداء في السودان/ السلطان ولد البان - صحفي مقيم في لندن

 

 

السودان من أبرز الدول الإفريقية الذي يُعد منطقة استراتيجية ترتبط ارتباطًا جغرافيًّا ودينيًّا وعرقيًّا بتسع دول تحيط بدائرته الواسعة، وأي تغيير في طبيعة المعادلة السياسية والأمنية والاقتصادية في السودان تعني حتمًا التغيير المباشر لهذه الدول التسع، لهذا كان دائمًا نُصْب أعين جهات خارجية تخشى الامتداد الإسلامي العربي، فكان لا بد من افتعال الأزمات وإحياء بؤر التوتر من خلال زرع الفتن والمليشيات التي تشكل قوة شبه موازية للنظام نفسه، هنا بدأت حكاية رجل السودان القوي محمد حمدان دقلو الملقب (حميتي)الذي بدأ حياته رجل بادية نشط في مجال تجارة الإبل التي استدعت قوة عسكرية لحمايتها، تلك المعارك الميدانية قوّت شوكة دقلو، وتنامت هذه القوة إلى أن أصبحت مركز قوة استغله الرئيس السابق عمر البشير لقمع التمرد في مناطق متفرقة من السودان. 

 

كان عام 2013 أول ظهور رسمي لهذه القوة ذات الطابع القومي والشعارات الموالية (للوطن والشعب) وانصهرت علاقتها بالرئيس البشير لتحظى باعتراف رسميًّا سنة 2017 في مرسوم قانون، رغم إدانتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من عدة منظمات دولية، وأصبحت منذ ذلك التاريخ القوة العسكرية الحامية لنظام البشير، ويعتمد عليها في أوقات الضيق والشدة، ولكن أحيانًا تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، في عام 2019 انطلقت مظاهرات شعبية حاشدة تطالب بإسقاط نظام البشير رغم أن القراءات السياسية تقول إنها مفتعلة لإزاحة البشير من كرسيّه العصي. بعد خروج الجماهير للشارع قرر الجيش الإطاحة بالرئيس عمر البشير وعزله، ليخرج إلينا مجلس عسكري يضم الفريق محمد حمدان حمتي والفريق الأول عبد الفتاح البرهان وعوض بن عوف قارئ بيان الانقلاب، ربما تفسر هذه الوجوه حقيقة المظاهرات في تلك الآونة.  

 

أدركت وقتها قوًى سياسية حقيقة اللعبة وحرّكت الشارع السوداني مرة أخرى للخروج ضد العسكريين الثلاثة الذين انقلبوا على الحكم، ما إن هدأت عاصفة الشارع حتى اختلف الثلاثة فيما بينهم فخرج عوض بن عوف من اللعبة منسحبًا لأنه الحلقة الأضعف، وترك الحكم للشخصيتين العسكريتين الأقوى في السودان: البرهان عبد الفتاح، الذي يقود قوة عسكرية اسمها (الجيش)، والبالغ عددها تقريبًا 200 ألف جندي، والفريق محمد حمدان دقلو حميتي الذي يقود مليشيات باسم قوات الدعم السريع، التي يقدر تعدادها بـ 100 ألف مقاتل.  

الدول التي أصيبت بداء العسكرة لم تنجح عبر التاريخ في بناء تنمية، ولطالما دخلت الأنظمة العسكرية الحاكمة في صراع مع المدنية، لأنها لا تعرف كيف تحكم دون استخدام السلاح، وهذا البلد شاهد تاريخيًّا على ذلك، إذ شهد ثلاثة انقلابات في سنة واحدة، قادت السودان إلى الانقسام، وربما يقودون السودان اليوم إلى سيناريو مشابه بعد أن فشلا في الجلوس على طاولة الحوار، لينتهي بنا المطاف إلى اقتتال داخلي في العشر الأواخر من شهر رمضان، حدث ذلك بعد محاولة عبد الفتاح البرهان بسط نفوذه بإدماج الطرف الآخر في قوته العسكرية، وهذا ما رفضه بطبيعة الحال الفريق حميتي لتبدأ عملية تدميرٍ للدولة وتشريد للشعب و استنزاف للأرواح و الأموال. 

 

تؤكد القراءات العسكرية أن البرهان سيخسر في هذه المواجهة رغم امتلاكه الطائرات والمدرعات والعتاد الحربي، فنظيره حميتي ابن البادية كوّن قوة عسكرية متمرسة في قتال الشوارع وعمليات الكر والفر، وفوق ذلك يحظى الرجل بدعم إماراتي وسعودي، وتصنفه تقارير إعلامية متخصصة بأنه الرجل الأقوى في السودان والمالك لثروات مالية ضخمة، من بينها مناجم الذهب وشركات في مختلف المجالات. 

عملية الاستقراء لنتائج الأيام الأولى من هذه الحرب الضارية تؤكد ذلك، إذ سقط الكثير من كبار جيش البرهان في قبضة قوات الدعم السريع؛ ما جعله يسعى للحصول على تدخل خارجي من مصر لضرب أهداف عسكرية، وذلك بعد تعمده ترك قرابة 250 جنديًّا مصريًّا داخل المطار لتعتقلهم قوات الدعم السريع بقيادة حميتي، وهذا ما جعل بعض الدول الأوروبية تبلغ القاهرة بأنها لن تتردد في فرض عقوبات على من يزيد التصعيد في السودان. 

 

ورغم تحركات دول غربية وهيئات أممية منذ اندلاع الأزمة، لم تستطع أي جهة حتى الآن وقف إطلاق النار ودعوة الخصمين للجلوس إلى طاولة الحوار. أعتقد أن الأوان قد فات على هذه الفرضية بسبب صعوبة الوضع على الأرض، خصوصًا بعد تعطل المطار الذي مثَّل عائقًا أمام البعثات الأممية، كما صرح بذلك مسؤول أممي. لا يعول كثيرون على التدخلات الدولية التي تُعَد دائمًا بدايةً لجملة من التعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية على غرار ما حدث في ليبيا، أحيانًا تبحث الدول عن مخرج من أزماتها الداخلية، وتجلب لها التدخلات الخارجية أزمة أكثر تعقيدًا تتحول إلى احتلال، إذ ينتقل الصراع إلى أقطاب دولية متنافسة، وهذا ما لا يرغب فيه العقل ولا المنطق. فهل سيستعيد السودان وحدته الوطنية على أيدي أبنائه من أصحاب اللُّب والعقل، فيقضي على الفرق والنّحل والمحل، التي غاصت في مستنقع العمالة لأجندات خارجية، ليعم السلام والوئام، ويسلِّم للشعب السوداني حكم البلاد؟ هذا هو الاتجاه الصحيح، ونتمنى أن يصير قبل عيد الفطر المبارك. 

 

وكل عام وشعبنا السوداني بخير وسلام.

الكاتب و الصحفي السلطان البان

18 April 2023