بن بيّه.. إطفائياً لنيران السودان / هاني سالم مسهور

كلمة الشيخ عبدالله بن بيه من المهم أن تصل إلى عموم أهل البلاد المنكوبة، ففي مضامينها ما يجدر أن تستمع إليه أذان خافت من سماع دوي القنابل وطلقات البنادق

منذ ساعتين18

 

هاني سالم مسهور / كاتب يمني

الناس بين مشردين وخائفين، والحالة السودانية ليست استثناء في المنطقة العربية والأفريقية، غير أن شيئاً ما يمكن التقاطه في هذه المأساة، وهي ما أشغلنا على امتداد سنوات في رغبة تجديد الخطاب الديني، حتى جاءت كلمة يمكن أن تعيد الحوافز في الدفع ناحية ما يجب أن يكون عليه رجال الدين عند هذه المواقف.

دعا منتدى «مجلس أبوظبي للسلم»، لعقد «المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم» في العاصمة الموريتانية نواكشوط لتدارس أوضاع السودان ودول الساحل، وفي هذا اللقاء قدم معالي العلامة الشيخ عبدالله بن بيّه رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، رئيس «منتدى أبوظبي للسلم»، كلمةً جاء فيها:«إن مهمة اللقاء هي المساهمة في إطفاء الحريق في السودان، دون تحيز لطرف أو تحديد من أشعل الشرارة الأولى، لأن مهمة رجل الإطفاء هي إخماد النيران لا محاسبة من أضرمها»، وعند هذه الجملة الواسعة مفهوماً والعميقة في معناها واجب التوقف والتأمل، فهذه هي المهمة: إطفاء النيران وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح وممتلكات، فليس من مهمة أخرى للإطفائي غير هذه المهمة.

ابتليت الناس منذ أن سيطرت تيارات الإسلام السياسي على خطاب مختلف عن هذا الخطاب العقلاني الواضح، فلطالما قدمت التيارات المتشددة خطابات في الأزمات بها من الانحياز وعليها من التصنيف ما يوزعون به صكوك الشر والخير والعقاب والحساب، اعتدنا على أحادية في الطرح الديني تتعمد تضييق المساحات وتقصير المسافات حتى تنغلق الحلول وتتفجر الحروب أكثر وأكثر، كذلك كانت حالة أمراء الحرب في أفغانستان واليمن الجنوبي والصومال حتى جاءت «عشرية الإخوان»، التي عصفت بعشرات البلدان فشردت ملايين البشر من أوطانهم.

امتدّ الخطاب الديني سياسياً وتحول لأداة من أدوات السياسة، فتكونت الحزبية على أسس ولائية مناطقية ومذهبية وسّعت من تشققات المجتمعات، وكانت منابر المساجد وحلقات تحفيظ القرآن ومنتديات الوعظ أشبه بمنصات لتسييس كل الأشياء والأحداث، ما يُعد انحرافاً أنتج عبر عقود سلاسل عنقودية من المتطرفين، حتى أنهم أصبحوا ذئاباً منفردة توزع الخوف والرعب في كل أنحاء العالم.

ففي كل أزمة سياسية وجد أصحاب التطرف مواطئ أقدام لهم عندما أتيحت لهم الفراغات ليملؤوها بخطاب الكراهية والعنف بدلاً من خطاب التسامح وتغليب مصلحة الناس على مصالح الأحزاب المؤدلجة.

الوسطية والاعتدال منهج موجود، غير أن هناك جهات تعمدت تغييبه مع استحكام الخطاب الأحادي على الساحة منذ عقود توالت، لا حلول ستأتي من خارج السودان أو ليبيا أو اليمن أو غيرها من الأوطان التي تعيش أزمات، فهذه هي من مخرجات حديث العقل الذي جاء به «منتدى أبوظبي للسلم»، وهذه هي الواقعية في منطق التفكير، فلا يمكن استيراد حلول لأزمات وطنية داخلية، وعلى ذلك فإن جمع أهل الرشد من العلماء المعتدلين والاستماع إليهم وإيصال صوتهم للناس فيه من الخير والصلاح.

كلمة الشيخ عبدالله بن بيه من المهم أن تصل إلى عموم أهل البلاد المنكوبة، ففي مضامينها ما يجدر أن تستمع إليه أذان خافت من سماع دوي القنابل وطلقات البنادق، فإطفاء النيران مهمة يلتزم صاحبها بما عليه أن يؤديه دون أن ينحاز لطرف على حساب آخر، وهذه هي الحكمة التي ضلت عن كثير ممن تصدروا المواقع، فزادوا من إشعالهم للنيران وألقوا بشباب العرب في المهالك دون حسيب ورقيب. عند هذه اللحظة آن لأعمال هذا المنتدى أن تتسع وتُسخر لها منصات الإعلام، فمن يطفئ النيران يُفسح له المجال ليتقدم ويعلو صوته على كل صوت.

9 July 2023