نواكشوط: صندوق النقد الدولي يستعرض الآفاق الاقتصادية لشمال إفريقيا

عقد صندوق النقد الدولي، اليوم الخميس، لقاءً اقتصادياً في العاصمة نواكشوط، خُصص لعرض تقرير الآفاق الاقتصادية الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.
وجاء ذلك بحضور عدد من كبار المسؤولين الحكوميين، وممثلي المؤسسات المالية الدولية، وخبراء الاقتصاد، إلى جانب الشركاء الفنيين والماليين.
وشكّل اللقاء منصة للنقاش المعمق حول وضعية الاقتصاد الموريتاني في ظل التحولات الدولية الراهنة، التي تتسم بتباطؤ النمو العالمي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتراجع المساعدات العمومية للتنمية.
كما بحث المشاركون في اللقاء التغيرات المرتبطة بالسياسات النقدية وأسواق الصرف، وما تطرحه من تحديات تمويلية وتنموية على الدول النامية.
وقال وزير الشؤون الاقتصادية الدكتور عبد الله ولد سليمان إن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء أظهرت قدرة ملحوظة على الصمود، رغم استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
وأوضح الوزير أن موريتانيا سجلت أداءً اقتصادياً قوياً، حيث بلغ معدل النمو 6.3 بالمائة، معتبراً أن هذا الأداء يعكس صلابة الاقتصاد الوطني وقدرته على التكيف مع الصدمات الخارجية.
وأضاف الوزير أن التوقعات متوسطة الأجل تبقى إيجابية، مدفوعة بالإصلاحات التي نُفذت خلال السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بتنويع الاقتصاد وتعزيز مساهمة القطاعات غير الاستخراجية.
وأشار الوزير إلى أن معدل التضخم يُتوقع أن يظل دون 2 بالمائة، بفضل السياسات المالية الحصيفة والدور المحوري للبنك المركزي في امتصاص الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار النقدي.
وأكد الوزير أن النقاشات المصاحبة لعرض التقرير تشكل فرصة لتبادل الرؤى حول آفاق الاقتصاد الوطني والتحديات المستقبلية.
وأوضح محافظ البنك المركزي محمد الأمين ولد الذهبي أن البنك نفذ، خلال العامين الماضيين، تحديثاً شاملاً لإطار السياسة النقدية ونظام الصرف.
وبيّن أن النظام الحالي يعتمد على نطاقات تقلب محددة تمثل سقفاً وأرضية لسعر الصرف، بينما يتحدد السعر بين البنوك بشكل آلي عبر منصة السوق ووفق آلية العرض والطلب، دون تدخل مباشر من البنك المركزي.
وأكد أن السعر ظل داخل هذه النطاقات، ما يعكس مستوى عالياً من الاستقرار والشفافية.
واستعرض المحافظ تطور سعر الصرف على المدى الطويل، مشيراً إلى أنه شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال فترات سابقة، قبل أن يدخل مرحلة استقرار واضحة بعد تطبيق الإصلاح، لافتاً إلى أن اعتماد نظام أكثر مرونة في وقت مبكر كان من شأنه الحد من التقلبات الحادة.
وأوضح محافظ البنك المركزي أن معدل تقلب سعر الصرف انخفض خلال الفترة الأخيرة إلى نحو 1.6 بالمائة، مقارنة بمستويات مرتفعة في فترات سابقة، ما يعكس نجاح الإصلاح في تحقيق الاستقرار النقدي.
وأضاف ولد الذهبي أن الدولار يُعد العملة المرجعية في سوق الصرف، وأن سعر الأوقية مقابل اليورو يُستنتج انطلاقاً من سعر الدولار، مؤكداً أن تطور سعر اليورو يعكس بدقة تحركات سعر الصرف المعتمد في السوق.
وأكد المحافظ أن من أبرز نتائج الإصلاح تراجع تدخلات البنك المركزي في سوق الصرف، حيث أصبح السعر يتشكل في سوق تنافسية بين البنوك، دون منافسة مباشرة من البنك المركزي على احتياطيات العملات.
وأضاف أن جميع عائدات الصادرات باتت تمر عبر النظام المصرفي، ما أسهم في تعزيز الشفافية واستقرار السوق، فضلاً عن استقرار الاحتياطات الأجنبية التي ظلت عند حدود ملياري دولار.
كما أشار إلى أن البنك المركزي نجح في مضاعفة أمواله الذاتية وتنقية ميزانيته، وتحسين قدرته على إدارة السياسة النقدية.
وسلط ممثل البنك الدولي إيبو ديوف الضوء على ما أسماه التراجع غير المسبوق في المساعدة العمومية للتنمية على المستوى العالمي، مشيراً إلى أن هذا الانكماش بدأ بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة.
وأشار إلى أن البيانات المتوفرة تُظهر تراجعاً ملحوظاً في حجم المساعدات، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث شمل الانخفاض المساعدات الإنسانية والبلدان الأقل نمواً، مع توقع استمرار هذا الاتجاه خلال السنوات المقبلة، ما يضعف قدرة الدول على تمويل الميزانيات والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي.
وأكدت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ليلى بيترز يحيى أن تراجع التمويلات الدولية انعكس بشكل مباشر على عمل منظومة الأمم المتحدة في موريتانيا، حيث سُجل انخفاض كبير في التمويلات الموجهة للتنمية والعمل الإنساني.
وأوضحت أن هذا التراجع دفع الوكالات الأممية إلى تقليص جزء معتبر من خدماتها، خاصة في مجالات الأمن الغذائي، والتحويلات النقدية، والخدمات الصحية، سواء لصالح السكان المحليين أو اللاجئين، مشيرة إلى تراجع الولوج إلى الخدمات الصحية في بعض المناطق بنسب كبيرة.
وشددت على أهمية تحويلات الجاليات، التي تمثل مورداً مالياً يفوق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدة العمومية للتنمية، داعية إلى إدماجها بشكل أفضل في الاستراتيجيات الوطنية لتمويل التنمية.
واتفق المتدخلون على ضرورة إعادة توجيه الموارد المتاحة نحو القطاعات ذات الأولوية، خاصة الصحة، والحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي، والتعليم، والمياه والصرف الصحي.
كما شددوا على ضرورة مواصلة الإصلاحات المالية والنقدية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وزيادة قدرة البلاد على مواجهة التحديات المقبلة.
