مهلا النائب بيرام.. هكذا لا تبنى الأوطان/ المستشار باب ولد بنوك

النائب بيرام، تناولتم في تسجيلكم الأخير عناوين متعددة، وأجد لزاما علي التعليق عليها احتراما لرأي المواطن وتمكينا له من الحقيقة والوضوح.
أولا: الوحدة الوطنية ليست منصة في مهرجان، ولا تقاس بلون البشرة أو اللهجة، بل هي مسار سياسي ومؤسسي طويل، تقاس نتائجه بمدى ترسيخ المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص، وتعزيز التماسك الاجتماعي. أما اختزال هذا المفهوم العميق في مظهر بصري عابر، فهو يعكس خللا في الفهم ويكشف للأسف عن نوايا لم يعد من السهل إخفاؤها ويؤكد أن من يلجأ إلى هذا المنطق هو الأجدر بالمراجعة والتقويم.
ثانيا: إن حديث النائب بيرام عن تعارض بين خطاب فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وممارسته يتجاهل حقيقة راسخة، مفادها أن الوحدة الوطنية ورباط المواطنة يشكلان هاجسا دائما في تفكير الرئيس وتوجهاته.
فجميع السياسات العمومية التي اعتمدتها حكومات صاحب الفخامة جعلت من ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية محددا أساسيا في التوجه والتنفيذ والاستفادة، وهدفت عمليا إلى دمج الفئات الهشة ومحاربة مختلف أشكال التمييز.
لقد تم تأمين آلاف الأسر الفقيرة واستفادت من توزيعات نقدية مباشرة ومنتظمة، وبنيت المدارس والنقاط الصحية، ووفرت الكفالات المدرسية، وفرض ولوج أبناء الطبقات الهشة إلى مدارس الامتياز بنسب معتبرة، كما مكن المتفوقون منهم من الاستفادة من المنح الدراسية بعد الباكالوريا.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شرعت الدولة من خلال برنامج تنمية مدينة نواكشوط وبرامج التنمية المحلية في الداخل، في معالجة جذور الفقر والتهميش عبر مشاريع تنموية شاملة لم تستثن منطقة ولا قرية ولا «ادباي» ولا «اكصر»، حيث أصبح الجميع سواسية في الولوج إلى موارد الدولة. هكذا تبنى الوحدة الوطنية، وهكذا يكون الفعل أبلغ من القول.
ثالثًا: فيما يخص التعيينات القضائية، فإن الدعوة إلى فرض التمثيل على أساس اللون أو الانتماء الاجتماعي تعد إقرارا ضمنيا بمنطق التمييز الذي تدعون محاربته. فالعدالة لا تبنى على لون القاضي، ولا تقاس ببشرته، بل بنزاهته واستقلاله واحترامه للقانون.
أما ملف اكتتاب المعلمين، فهو يخضع لنظام المسابقات الوطنية القائم على الشفافية والصرامة وتكافؤ الفرص، ولا يجوز فيه أي تهاون أو محاباة. فالمهمة نبيلة، والرسالة سامية، والمستهدف هم أبناء موريتانيا جميعا دون تمييز، داخل المدرسة الجمهورية التي أسسها صاحب الفخامة، حيث تختفي كل أشكال الفرز والانقسام ويحل محلها الانسجام والتآخي. ومن ثم، لا يجوز تفريغ معايير الكفاءة من مضمونها لإرضاء توازن عددي مصطنع يفسد التعليم ولا يخدم الوحدة الوطنية، فضلا عن تحميل هذا الملف حمولة سياسية لا طائل منها سوى تسجيل نقاط وهمية.
إن أخطر ما في هذا النوع من الخطاب ليس النقد في حد ذاته، فالنقد حق مشروع، وقد أكد فخامة الرئيس في أكثر من مناسبة احترامه لكافة أشكاله، وإنما الخطر الحقيقي يكمن في محاولة فرض منطق اللون والاصطفاف الاجتماعي لتأطير أي نقاش وطني جاد.
خلاصة القول:
إن مشروع فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للوحدة الوطنية لا يقوم على الشعارات بل على رؤية وطنية ترجمت إلى مؤسسات وسياسات وقوانين. ومن أراد تقييم هذا المشروع أو معارضته، فليكن ذلك عبر البدائل والبرامج، لا عبر الانطباعات والتصنيفات التي تسيء إلى النقاش الوطني أكثر مما تخدمه.
